القرآن وقدسيّة الأديان
بالإضافة إلى الآيات الشريفة المنادية إلى العفو والصفح الجميل والجنوح إلى السلم والسلام هناك آيات اُخر تدعو إلى احترام عقائد الآخرين حتّى ولو كانت فاسدة وغير صحيحة، وهذا إنّما يدلّ على حرص الإسلام على السماحة واللاّعنف في سلوك المسلمين حتّى مقابل أصحاب العقائد الضالّة التي لا قداسة لها في نظر الإسلام، نعم من واجب المسلمين السعي لهدايتهم بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (18).
وفي سورة الكافرين يقول تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَليَ دِينِ) (19).
وفي آية أُخرى يدعو القرآن الكريم المؤمنين إلى عدم إيذاء الكافرين وإثارتهم عبر سبّ آلهتهم فقال سبحانه: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم) (20).
وقد جاء في الأحاديث الشريفة توضيح ذلك حيث قال أبو جعفر(ع) في تفسير هذه الآية الشريفة:
( في التوراة مكتوب فيما ناجى الله جلّ وعزّ به موسى بن عمران (ع): يا موسى اكتم مكتوم سرّي في سريرتك وأظهر في علانيّتك المداراة عنّي بعدوّي وعدوّك من خلقي، ولا تستسب لي عندهم بإظهار مكتوم سرّي فتشرك عدوّك وعدوّي في سبّي) (21).
وعن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل يقول (ع): ( وإيّاكم وسبّ أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبّوا الله عدواً بغير علم ) (22).
وعن أبي عبد الله (ع) أيضاً قال: سئل عن قول النبي (ص): الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء، فقال: ( كان المؤمنون يسبّون ما يعبد المشركون من دون الله فكان المشركون يسبّون ما يعبد المؤمنون، فنهى الله المؤمنين عن سبّ آلهتهم لكيلا يسبّ الكفّار إله المؤمنين فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله من حيث لا يعلمون، فقال: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فيسبوا الله عدواً بغير علم) (23) ) (24).
وعن الإمام الرضا (ع) في حديث طويل قال (ع) في آخره: (إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة: أحدها الغلو، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم سبّونا بأسمائنا، وقد قال الله تعالى: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم) ) (25).
فضلا عن ذلك كلّه فإنّ الله تعالى في أكثر من آية من آيات القرآن الحكيم أورد نفس حديث الكافرين والملحدين وجعله بين طيّات الآيات الاُخر وأمر المسلمين أن يتطهّروا إذا أرادوا مسّه حيث إنه أصبح من القرآن الكريم وهذا يؤيد احترام الإسلام للآخرين وعدم اعتباره للعنف حتّى مع مخالفيه ومناوئيه.