- آيات السلم
وهناك مصداق آخر للاّعنف الذي يؤكّد عليه الإسلام العزيز وهو السلم والسلام، حيث إنّ الإسلام هو دين السلم وشعاره السلام ..
فبعد أن كان الجاهليون مولعين في الحروب وسفك الدماء جاء الإسلام وأخذ يدعوهم إلى السلم والوئام ونبذ الحروب والمشاحنات التي لا ينجم عنها سوى الدمار والفساد ..
على هذا الأثر فإنّ آيات الذكر جاءت لتؤكّد على مسألة السلم والسلام، فقد قال عزّ من قائل مخاطباً عباده المؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (10).
وقد دُعي الرسول الأعظم (ص) إلى الجنح للسلم إذا جنح إليه المشركون، فقال عزّ من قائل: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (11).
وقال تعالى داعياً عباده المؤمنين إلى اعتزال القتال إثر جنوح المشركين إلى السلم: (فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا) (12).
وقال عزّ وجلّ في صفات المؤمنين: (وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً) (13).
وقال الله تعالى مخاطباً رسوله الأكرم(ص): (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (14).
وقد قال شيخ المفسّرين الطبرسي في تفسير هذه الآية: (وقيل: لا تستوي الخصلة الحسنة والسيّئة، فلا يستوي الصبر والغضب، والحلم والجهل، والمداراة والغلظة، والعفو والإساءة ) .
ثمّ بيّن سبحانه ما يلزم على الداعي من الرفق بالمدعوّ، فقال: (إدفع بالتي هي أحسن) خاطب النبي (ص) فقال إدفع بحقّك باطلهم، وبحلمك جهلهم، وبعفوّك إساءتهم، (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم)، معناه: فإنّك إذا دفعت خصومك بلين ورفق ومداراة، صار عدوّك الذي يعاديك في الدين، بصورة وليّك القريب، فكأنّه وليّك في الدين، وحميمك في النسب) (15).
وقد كان رسول الله (ص) كراراً ومراراً يدعو أصحابه إلى الدفع بالتي هي أحسن، والإحسان إلى المسيئين، فقد وفد العلاء بن الحضرمي عليه (ص) فقال : يا رسول الله، إنّ لي أهل بيت أحسن إليهم فيسيؤون، وأصلهم فيقطعون، فقال رسول الله (ص): (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيم) (16).
فقال العلاء بن الحضرمي: إنّي قد قلت شعراً، هو أحسن من هذا !.
قال: (ما قلت)؟
فأنشده:
وحيِّ ذوي الأضغان تسبّ قلوبهم تحيّتك العظمى فقد يرفع النغل
فإن أظهروا خيراً فجاز بمثله وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل
فإنّ الذي يؤذيك منه سماعه وإنّ الذي قالوا وراءك لم يقل
فقال النبي (ص): ( إنّ من الشعر لحِكَماً، وإنّ من البيان لسحراً، وإنّ شعرك لحسن، وإنّ كتاب الله أحسن ) (17).